فصل: الشبهة الرابعة وجوابها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدخل لدراسة القرآن الكريم



.الشبهة الثالثة وجوابها:

قالوا: روي عن ابن عباس في قوله تعالى: {لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها} إن الكتاب أخطأ، إنما هو {تستأذنوا} فهذا يدل على أن القرآن دخله بعض التحريف والتبديل بسبب الكتابة.
والجواب:
1- أن هذا القول غير صحيح في نسبته إلى ابن عباس وهو مدسوس عليه، دسه الملاحدة والزنادقة، قال أبو حيان ما نصه: إن من روى عن ابن عباس أنه قال ذلك فهو طاعن في الإسلام ملحد في الدين، وابن عباس بريء من ذلك القول. وقال الزمخشري في تفسيره: وعن ابن عباس وسعيد بن جبير: إنما هو حتى تستأذنوا فأخطأ الكاتب، ولا يعول على هذه الرواية. وقال القرطبي في تفسيره بعد ذكر هذا عن ابن عباس أو سعيد ابن جبير وهذا غير صحيح عن ابن عباس وغيره، فإن مصاحف الإسلام كلها قد ثبت فيها {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} وصح الإجماع فيها من لدن مدة عثمان فهي التي لا يجوز خلافها، وإطلاق الخطأ والوهم على الكاتب في لفظ أجمع الصحابة عليه قول لا يصح عن ابن عباس: وقد قال عز وجل: {لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}. وقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ}، وقد روى هذا الخبر عن ابن عباس ابن جرير، ولا يخلو إسناده من مدلس أو مضعف، ورواه الحاكم وصححه، وتصحيح الحاكم غير معتبر عند أئمة الحديث، وقد تعقبه الإمام الذهبي في نحو مائة حديث موضوع ذكرها في كتابه المستدرك فضلا عن الضعيف والواهي.
2- يؤيد رد هذه الرواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه ورد عنه تفسير {تَسْتَأْنِسُوا} بقوله: وتستأذنوا من يملك الإذن من أصحابها، فثبوت هذا التفسير عنه يرد ما ألصق به، وقد روى هذا التفسير عنه ابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف وابن جرير وابن مردويه ولعل الراوي عن ابن عباس وهم حيث فهم من تفسير الاستئناس بالاستئذان أنه الصواب، فروى الخبر على ما ظن وهو واهم.
ويردها أيضا إجماع القراء السبعة على لفظ {تستأنسوا} ومن المستبعد جدّا أن يقرأ ابن عباس بقراءة يكون الإجماع على خلافها، ولاسيما وهو ممن أخذ القراءة عن زيد بن ثابت وهو عمدة الذين جمعوا القرآن في المصاحف بأمر عثمان رضي الله عنه، وما نقل عن ابن عباس وأبي أنهما كانا يقرءان {تستأذنوا} فمحمول على أنها قراءة تفسير وتوضيح، وأيضا فالقراءة المتواترة الثابتة {تَسْتَأْنِسُوا} متمكنة في باب الإعجاز من القراءة المزعومة {تستأذنوا}. فالاستئذان ينصرف إلى الاستئذان بالقول، وأما الاستئناس فيشمل القول وغيره من الأفعال التي تؤذن بالقدوم كالتسبيح والتحميد والتنحنح وما شابه ذلك، هذا إلى ما تشير إليه القراءة المتواترة من أن يكون الاستئذان يقصد به الأنس وإزالة الوحشة، وعدم إيلام المستأذن عليه، ولا هكذا لفظ {تستأذنوا} فقد يكون الاستئذان مصحوبا بالخشونة، أو الإيحاش أو الإيلام، إلى غير ذلك من الأسرار والمعاني النبيلة التي تظهر لمن يمعن النظر في القرآن.
3- إن صحت الرواية فيمكن أن تحمل على الخطأ في الاختيار من الكاتب ويكون ذلك على حسب ظن ابن عباس لا بحسب الواقع ونفس الأمر، قال ابن أشتة في كتاب (المصاحف): مراد ابن عباس الخطأ في الاختيار وترك ما هو أولى القراءتين بحسب ظنه. وتكون قراءة ابن عباس مما ترك بسبب جمع الناس على حرف واحد، وهو حرف قريش، فإنهم التزموا جمع ما ثبت بالتواتر دون ما روي آحادا وما ثبت نسخه.
4- إن هذه الرواية على فرض صحتها رواية آحادية، والآحادي لا يعارض القطعي الثابت بالتواتر، ولا يثبت بها قرآن، ولاسيما وقد خالفت رسم المصحف، فما بالك وهي ضعيفة ومعارضة بروايات أخرى عن ابن عباس كما بينا!

.الشبهة الرابعة وجوابها:

قالوا: روي عن ابن عباس أنه قرأ: {أفلم يتبين الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا} فقيل له: إنها في المصحف: {أفلم يايئس الّذين آمنوا} الآية فقال: أظن الكاتب كتبها وهو ناعس، وهذا القول يقلل الثقة بكتابة القرآن ورسمه ويعود على القرآن ورسمه بالتحريف.
والجواب:
1- أن هذا القول لم يصح عن ابن عباس، وأنه مختلق عليه قال الإمام الجليل أبو حيان في تفسيره: بل هو قول ملحد زنديق. وقال الآلوسي في تفسيره بعد نقل كلام أبي حيان: وعليه فرواية ذلك- كما في الدر المنثور- عن ابن عباس رضي الله عنهما غير صحيحة، وقال الزمخشري في تفسيره ج 1 ص 655 بعد حكاية هذا الزعم: وهذا ونحوه مما لا يصدق في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكيف يخفى مثل هذا حتى يبقى ثابتا بين دفتي الإمام وكان متقلبا في أيدي أولئك الأعلام المحتاطين في دين الله، المهيمنين عليه، لا يغفلون عن جلائله ودقائقه، خصوصا عن القانون الذي إليه المرجع، والقاعدة التي عليها البناء، هذه والله فرية ما فيها مرية.
2- مما يرد هذه الرواية أن القراءة الصحيحة المتواترة صحت عن ابن عباس فلو كان ما نسب إليه صحيحا لما قرأ بها، قال أبو بكر الأنباري:
روى عكرمة عن ابن أبي نجيح أنه قرأ: {أفلم يتبين الذين آمنوا} وبها احتج من زعم أنه الصواب في التلاوة، وهو باطل عن ابن عباس؛ لأن مجاهدا وسعيد بن جبير حكيا الحرف عن ابن عباس على ما هو في المصحف بقراءة أبي عمرو، وروايته عن مجاهد وسعيد بن جبير، عن ابن عباس، وأيضا لقد أخذ ابن عباس القرآن عن زيد بن ثابت فيمن أخذ عنهم، وزيد كان كاتب الوحي، وهو الذي جمع القرآن في عهد أبي بكر، وهو أحد الأربعة الذين جمعوا القرآن في عهد عثمان، فغير معقول أن يقرأ ابن عباس على خلاف قراءة زيد بن ثابت وما كتبه في المصاحف العثمانية.
وفي مسائل نافع بن الأزرق لابن عباس أنه سأله عن قوله تعالى: {أفلم يايئس الّذين آمنوا} فقال ابن عباس: أفلم يعلم بلغة بني ملك، قال- أي نافع- وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت مالك بن عوف يقول:
لقد يئس الأقوام أني أنا ابنه ** وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا

فلو كانت ثابتة- كما افترى عليه- لما فسرها؛ ولبين للسائل أنها خطأ، ولما استشهد لها بكلام العرب.
3- على فرض صحة هذه الرواية فهي آحادية فلا تعارض القطعي الثابت بالتواتر، ولا يثبت بها القرآن ولاسيما وهي مخالفة لرسم المصحف.

.الشبهة الخامسة وجوابها:

قالوا: روي عن ابن عباس أنه كان يقول في قوله تعالى: {وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} إنما هي {ووصى ربك} التزقت الواو بالصاد، وقد ورد هذا الأثر بروايات مختلفة، وفي بعضها: ولو كان قضاء من الرب لم يستطع أحد رد قضاء الرب، ولكنها وصية أوصى بها العباد. قالوا: وهذا يدل على وقوع تحريف في القرآن.
والجواب على ذلك، نقول:
1- إن هذه الروايات ضعيفة، ومدسوسة على ابن عباس ونقلها من نقلها بدون تثبت وتحر قال ابن الأنباري: إن هذه الروايات ضعيفة، والضعف لا يحتج ولا يؤخذ به في دون هذا فما بالك في شيء يتعلق بالقرآن الكريم.
2- إن ابن عباس رضي الله عنهما قد استفاض عنه أنه قرأ {وَقَضى} وذلك دليل على أن ما نسب إليه غير صحيح، قال الإمام أبو حيان في البحر المحيط: والمتواتر هو {وَقَضى} وهو المستفيض عن ابن عباس والحسن وقتادة بمعنى أمر، وقال ابن مسعود وأصحابه: بمعنى وصى، وأما ما روي عن ابن مسعود من أنه كان في مصحفه ووصى وأنه كان يقرأ به فمحمول على التفسير، ولم يكن مصحفه مصحف قرآن فحسب، وإنما مزجه بالتفسير والتأويل لبعض آياته، وذكر بعض الأدعية والمأثورات.
3- ما استندوا إليه من أن اللفظ القرآني لو كان {وَقَضى} لما أشرك أحد غير لازم لمن تدبر وتأمل؛ لأن هذا الاعتراض إنما يتجه لو حملنا القضاء على التقدير الأزلي، فأما لو أريد به معناه اللغوي الذي هو البت والقطع فلا يتجه ولا يرد، ولذلك فسر الجمهور قضى بأمر، وهذا التفسير نفسه ثابت عن ابن عباس كما أخرجه ابن جرير وابن المنذر من طريق علي بن طلحة عن ابن عباس أنه قال: أمر، وهذا يرد به ما نسب زورا إلى ابن عباس.
4- إن هذه الروايات معارضة للمتواتر القطعي، وكل ما عارض القطعي فهو ساقط عن الاعتبار.